To Rome with Love – 2012

To Rome with Love .. حالة فهم مكانية جديدة لممثل ومخرج عجوز ما زال يعيش شباباً سينمائياً, ويصرّ على أن يُظهر فلسفته كسائح سينمائي أوروبي. بعد برشلونة ولندن, وباريس.. الآن روما, ومن يدري أين يحط رحاله أيضاً مستقبلاً.. يأتي “وودي ألن” إلى “روما مع الحب” ليبهج النفوس ويريحها, فهو يقدّم كوميديا راقية تعتمد على الموقف والصورة, ولا تحتاج بهارات كلامية بذيئة كما جرت عادة الكوميديات مؤخراً. هو لا يبدو عملاً حاذقاً كما يُفترض بنا أن نتوقع, ولا حتى يُظهر الكثير من ثقافة “ألن” التي ننتظرها منه, وبناءً على ذلك فقد لا يكون فيلمه هذا قادراً على الرسوخ في الذاكرة كما فعل بنا “منتصف ليل باريس” العام الفائت, وقد لا يُظهر عظَمة مخرجه التي ننتظرها؛ مع هذا فهو مفعم بروح “وودي” وعشقة وسحره وحبه للفن, ويشبهه إلى حد كبير.

فهل حقاً خاض “ألن” تحدياً تاريخياً في هذا الفيلم, في مدينة ألهمت “فيلليني” وأخرجت واقعية “دي سيكا”, وما هي الصعوبة في أن تصنع كوميديا عن بلد السينما الواقعية, وهل صبغت الواقعيةُ الإيطالية القاسية الكوميديا هذه المرة بلونها فأبهتتها, وهل كل هذه العوامل ستؤثر في نظرتنا للعمل وتجعلنا نضع له سقفاً أكثر مما يحتمله؟؟ هي أسئلة كثيرة تنتاب أياً منا وتحمله أن يشاهد الفيلم. لستُ في معرض الإجابة على هذه الأسئلة أو تعميم نظرتي الشخصية فقد رأيتُ إنقساماتِ كبيرة بين النقاد والمشاهدين بخصوصها منذ مشاهدته في السينما. ولكنني سأقول أن “ألن” لم يكن في القمة هذا العام بكوميدياه الرومنسية الساخرة, وقد يكون الأمر كوني ما كنتُ أتوقع منه أي شيء جديد أو لأنني أتوقع منه أكثر, في المقابل لن أنكر أنه أضحكني في زمن ندرة الابتسامة.

To_Rome_With_Love_4

مشهد البداية الذي يبدأ مع شرطي روماني مغرور بقفازاته وخوذته البيضاء يحاول أن يقدّم لنا نفسه على أنه خبير بالمدينة العريقة, يبدو مكرراً أو عائداً من أحد أفلام إيطاليا الستينات. ثم نبدأ بالتعرف على الثنائيات العاطفية التي تتفاوت قصصها بين التعارف والتعلق بالمدينة, والجنس والفن, والشهرة, والأوبرا. فبين “هايلي” سائحة قادمة من نيويورك (أليسون بيل) تتعلق بـ”مايكل أنجلو” وهو شاب روماني وسيم (فلافيو بارينتي) ثم تحاول أن تعّرف عليه والديها (وودي ألن وجودي ديفيس) ثم تجد والدها الفضولي يبدأ طموحه الفني بصناعة نجم من صوت أوبرالي مميز عند والد خطيبها المحامي. وكذلك الزوجين المتزوّجين حديثاً “أنطونيو” و”ميلي” (اليساندرو تببيري و أليساندرا ماستروناردي) اللذان يبدوان ساذجين جداً حتى يقع كل منهما في مشاكل غبية , ويظهر واضحاً أن دور “آنا” (بينيلوب كروز) هنا من خلال محاولة إغراء الزوج هو محاولة أو مقاربة لشخص “صوفيا لورين”. إلى “ليوبولدو” (روبيرتو بينيني) الرجل الذي تلاحقه الميديا الإعلامية والـ”بابارازي” فتصنعه دون أن نفهم السبب, ثم تطفئه كذلك دون أن نفهم السبب. إلى “جاك” طالب الهندسة المعمارية (جيسي أيزنبيرج) الذي يقع في حب “مونيكا” (ألين بيج) وهي صديقة لصديقته تعمل كممثلة سينمائية باحثة عن الشهرة في ظل تحذيرات المصمم الأمريكي الشهير “جون” له (أليك بالدوين) من الارتباط بمرأة مثل هذه.

بين الثنائيات الأربعة فإن الثنائيتان الأكثر تأثيراً وطولاً برأيي , هما حالة إعجاب “جيري” (وقد أدى الدور وودي ألن نفسه) بصوت والد خطيب ابنته, وفشله المبدئي في صناعة نجم منه حيث يكتشف أن ذبك الرجل لا يقدم أداءً جميلاً إلا عندما يكون تحت “الدوش”. الأمر الذي يجعل من “جيري” الواثق جداً بتلك الموهبة يصنع له مسرحيات أوبرالية كاملة يظهر بها نجمه فقط تحت الدوش ليغني أفضل ما عنده. والثنائية الثانية هي الثنائية الأكثر “جنسيّة” في الفيلم حيث يفترق الزوجان الحديثان الشابان “أنطونيو وميلي” بصورة ساذجة غبية, بعد قدومهما إلى المدينة الكبيرة, ثم يجدان نفسيهما في ورطات سخيفة بسبب بساطتهما, الرجل مع عاهرة والمرأة ممثل شهواني, ويلتقيان أخيراً كأن شيئاً لم يكن, ببرود تمثيلي مفتعل لكن ناجح. أما الثنائية التي عمل فيها (جيسي أيزنبيرج) و(أليك بالدوين) لا تبدو لي ناضجة ولا واضحة بالشكل الكافي, حيث يظهر أن جون يحاول أن يوحي لجاك أنه عانى من أفكار مماثلة في حياته من خلال الانجذاب إلى الشخصيات الشهيرة, لهذا يحذّره, لكن لا يظهر ذلك كما وددتُ أن أرى.

العلاقات العاطفية التي ركز عليها “ألن” تبدو متباينة من حيث طبيعتها, فإحداها جادة إلى درجة مبهمة السبب, وأخرى تبدو ساذجة, وثالثة من طرف واحد. ويحمل “ألن” على عاتقه أن يسردها بشكل متقاطع ليظهر تطورها زمنياً بشكل متوازٍ كحال الأفلام الإيطالية في ستينات القرن الفائت, رغم أنه لا يوجد ما يوحي أن الأحداث تتم في ذات الوقت. محاولاً أن يطعم الأحداث بالنكات والحركات البسيطة التي تجعل من الحكايات حالات من المرح المتبادل, إذاً فالفلسفة الغامضة في السفر عبر الزمن التي شاهدنا في “منتصف الليل في باريس” قد توقفت هنا أمام هزلية واضحة لا تعتمد الحنين أو المقارنة بين الأزمنة أو الأفعال والانفعالات. ولكن مع حجم كبير معتاد من السريالية من ناحية الصور الرائعة والخلفيات الطبيعية المبهرة في “لوكيشنات” التصوير, واستخدام بعض المقطعية الصامتة, والذكاء والسحر اللغوي. ولا يبدو أن “ألن” قد أرهق نفسه في الصياغة القصصية مثل “منتصف الليل في باريس” الذي حاول فيه تحدي أفكارنا التاريخية ومعرفتنا عن الشخصيات والأعلام الشهيرة, ربما على حساب ضحكة أوسع وأحداث أكثر صرامة هنا, تناسب واقع إيطاليا الفني. ولعلي شخصياً توقعتُ أن أرى أكثر عن أزياء إيطاليا ومطبخها كذلك كما جرت العادة, وربما أراد “ألن” أن يخالف العادة بإرادته!

To_Rome_With_Love_6

بعض الأداءات كانت مدهشة ولعل أهم الشخصيات من حيث تطور الحالات الإنطباعية الإنسانية كان دور (روبيرتو بينيني) الذي يظهر بارداً جداً مع وسائل الإعلام غير فاهم لشيء في البدء, ثم حين ينطفئ إعلامياً يصاب بحالة هلوسة وضياع وفقدان الشعور بالقيمة يؤديها بشكل رائع. ولربما تقصّد “ألن” من هذا أن لكل نجم -ربما سينمائي أيضاً- فترة خبو بعد صعوده. وهي قضية صادقة جداً تبدو أبعد عن الأبعاد العاطفية التي تصطبغ بها بقية الحكايات. كذلك فدور الإغراء الذي أدّته (بينيلوب كروز) كان ظريفاً وضاحكاً إلى حد كبير وهي تؤديه بصورة ممتعة رغم الكثير من الجدية تفرضها بلاهة الطرف الآخر (أليساندرو تببيري). الموسيقى كانت أحد نجوم العمل فمنذ البدء الأغنيات الإيطالية الكلاسيكية ذات الموسيقى الخفيفة إلى الأوبرالية الغنائية إلى النتهاء بذلك المقطع الموسيقي الشهير جداً, كلها كانت موفقة.

To_Rome_With_Love_8

To Rome with Love تشكيلة رومانسية ساخرة بنكهة أرض السينما الواقعية, عمل لا يبدو مفاجئاً لنا كما كان إبهار Midnight in Paris من مخرج عجوز.. وحتى إن كان هذا دون الطموح فهو يثبت لنا أن وودي عجوز غير خرف مطلقاً, وأنه مازال متفرداً وقادراً على إمتاعنا وتقديم أعمال ذات جودة وطبعها بروحه, والسيطرة على إدارتها كما يريد.. ربما فقط نحن دائماً نتوقع منه الأفضل.

IMDb | RT

نزار عز الدين

اترك رد

اكتشاف المزيد من كلام أفلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading